فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أَقُولُ: الَّذِي ظَهَرَ لَنَا بِاعْتِبَارِ مَا وَصَلَ بَحْثِي إلَيْهِ وَمَا فَهِمْته مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ- إنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَلَا صَارِفَ لَهُ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي عُلُوِّ شَأْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُقَابِلَةَ بَيْنَ بَعْثِهِ وَبَعْثِهِمْ لَا بَيْنَ شَرِيعَتِهِ وَشَرِيعَتِهِمْ، وَالِاحْتِمَالُ فِي الثَّانِي لَا فِي الْأَوَّلِ وَلِأَنَّ النَّاسَ تَكَلَّمُوا فِي غَرَقِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ مَعَ كَوْنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ شَرِيعَتُهُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ وَأَجَابُوا بِأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيْضًا كَانَ رَسُولًا إلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ بِالْإِيمَانِ مَعَ اسْتِعْبَادِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ {اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ} الْآيَتَيْنِ كَذَلِكَ {وَإِذْ نَادَى رَبُّك مُوسَى أَنْ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}- الْآيَتَيْنِ.
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ تَدُلُّ عَلَى دَعْوَةِ مُوسَى وَهَارُونَ لِفِرْعَوْنَ وَقَوْمُهُ بِالْأُصُولِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قوله: {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إسْرَائِيلَ} لِأَنَّهُ كَانَ مُكَلَّفًا بِالْأُصُولِ وَبِهَذَا الْفَرْعِ كُلُّ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى شَرِيعَةِ مُوسَى وَإِنْ كَانَ قَدْ كَانَ مُكَلَّفًا قَبْلَ ذَلِكَ أَيْضًا بِشَرِيعَةِ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ فِيمَا مَضَى وَتَقَدَّمَ تَكْلِيفُهُ.
وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مُوسَى رَسُولٌ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَإِلَى الْقِبْطِ وَكَذَا هُوَ، وَتَتَعَلَّقُ شَرِيعَتُهُ أَيْضًا بِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي شَرِيعَتِهِ مِنْ غَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ قَبْلَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُزُولِ التَّوْرَاةِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَحْكَامِ لَمْ يَكُنْ إلَّا بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِبَنِي إسْرَائِيلَ وَمِنْ دَانَ بِدِينِهِمْ خَاصَّةً دُونَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِمْ وَهُمْ فِي ذَلِكَ كَمَنْ مَاتَ مِنْ الْكُفَّارِ فِي أَوَّلِ بَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَجَدَّدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَحْكَامٌ أُخْرَى نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ النَّاسَ قَالُوا فِي الطُّوفَانِ: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ إلَّا قَوْمُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلِذَلِكَ عُوقِبُوا.
وَرُبَّمَا مَرَّ بِي مِنْ كَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ غَرَقِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالطُّوفَانِ وَغَرَقِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُكَلَّفِينَ بِالْإِيمَانِ بِدَعْوَةِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الرُّسُلِ لِاشْتِرَاكِ جَمِيعِ الرُّسُلِ فِي الدَّعْوَةِ إلَى الْإِيمَانِ وَإِنَّمَا التَّخْصِيصُ بِالْفَرْعِ وَهَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ فِي الطُّوفَانِ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ إلَّا قَوْمُ نُوحٍ وَبِأَنَّ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ دَخَلُوا فِي دَعْوَةِ مُوسَى بِالْإِيمَانِ.
وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِنَا فِي أَنَّ الْأَحْكَامَ كُلَّهَا أُصُولَهَا وَفُرُوعَهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْعِ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِالْعَقْلِ فَيَكْتَفُونَ فِي إغْرَاقِ فِرْعَوْنَ وَنَحْوِهِ بِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ عَلَيْهِ وَبِالْإِيمَانِ وَمُخَالَفَتِهِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فُرِضَ سَوَاءٌ قُلْنَا بِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ أَوْ بِمَا مَرَّ بِي مِنْ كَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ أَوْ بِمَا قُلْنَاهُ، وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ دَعْوَةَ كُلِّ نَبِيٍّ بِالْإِيمَانِ وَأُصُولِ الدِّينِ كَانَتْ عَامَّةً لِدَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاكِ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ فِي الدَّعْوَةِ إلَى الْإِيمَانِ أَنَّ دَعْوَةَ كُلٍّ مِنْهُمْ عَامَّةٌ فِيهِ إلَى جَمِيعِ النَّاسِ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ دَعَا قَوْمَهُ إلَيْهِ كَمَا قَالَ تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ}- الْآيَةَ فَكُلُّ وَاحِدٍ دَاعٍ إلَى ذَلِكَ مَنْ أُرْسِلَ إلَيْهِ.
وَقَالَ تعالى: {إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمِهِ} وَقَالَ تعالى: {وَإِلَى عَادٍ} {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} وَقَالَ فِي التَّوْرَاةِ {هُدًى لِبَنِي إسْرَائِيلَ} وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَرَسُولًا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ} وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّا أَرْسَلْنَاك} وَلَمْ يُخَصِّصْ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ عَامَّةً» وَظَاهِرُهُ مَا قُلْنَاهُ فَالْعُدُولُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ.
فَصْلٌ:
قَالَ السَّائِلُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسْرَائِيلَ الْبَحْرَ} الْآيَاتِ فَلَمْ يُنْكِرْ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِمْ فَلَا دَعَاهُمْ إلَى دِينِهِ.
أَقُولُ: أَمَّا كَوْنُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ فَلَا يُقْدَرُ عَلَى إثْبَاتِهِ وَلَعَلَّهُ قَدْ أُنْكِرَ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مَا دَعَاهُمْ إلَى التَّوْحِيدِ فَكَذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُولَئِكَ الْقَوْمَ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ نَبِيٍّ قَبْلَهُ فَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَبْعُوثًا إلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ لَكِنَّهُ إذَا رَآهُمْ عَلَى جَهْلٍ وَخَطَأٍ لَا يَتْرُكُ إرْشَادَهُمْ.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ تَأْيِيدُ ذَلِكَ الْمُدَّعَى بِهَذِهِ الْقِصَّةِ ضَعِيفٌ وَذَلِكَ الْمُدَّعَى مُتَأَيَّدٌ ثَابِتٌ بِغَيْرِهَا كَمَا سَبَقَ.
هَذَا مَا انْتَهَى نَظَرِي إلَيْهِ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ.
وَقَدْ اسْتَوْفَيْت كَلَامَ السَّائِلِ فَلَمْ أَحْذِفْ مِنْهُ شَيْئًا وَهَذَا الْجَوَابُ يُصْلَحُ أَنْ يَكُونَ تَصْنِيفًا مُسْتَقِلًّا وَيُسَمَّى الدَّلَالَةُ عَلَى عُمُومِ الرِّسَالَةِ فَرَغْت مِنْهُ عِنْدَ أَذَانِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ سَابِعَ عَشَرَ شَعْبَانَ سَنَةَ 738 انْتَهَى. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله تعالى: {أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ} مبتدأ وخبرٌ، وقد تقدَّمَ أن أيَّا بعض ما تضاف إليه، فإذا كانت استفهامية اقتضى الظَّاهِرُ أن يكون مُسَمَّى باسم ما أضيف إليه.
قال أبو البقاء رحمه الله: وهذا يُوجِبُ أن يُسَمّى اللَّهُ تعالى شيئًا، فعلى هذا تكون الجلالةُ خبرَ مبتدأ محذوف والتقدير: الله أكبر شَهَادَةً، وشهيد على هذين القولين خَبَرُ مبتدأ محذوف أي: ذلك الشيء هو الله تعالى، ويجوز أن تكون الجلالة مبتدأ خبره محذوف أي: هو شهيدٌ بيني وبينكم، والجملةُ من قوله: {قل اللَّه} على الوَجْهَيْنِ المتقدمين جواب لـ {أي} من حَيْثُ اللفظ والمعنى، ويجوز أن تكون الجلالةُ مبتدأ، و{شهيد} خبرها، والجملة على هذا جواب لـ {أيّ} من حيث المعنى، أي: إنها دالّةٌ على الجواب، وليست به.
قوله: {شَهَادَةً} نَصْبٌ على التمييز، وهذا هو الذي لا يَعْرَفُ النحاةُ غيره.
وقال ابن عطية رضي الله عنه: ويَصِحُّ على المفعول بأن يُحْمَلَ أكثر على التشبيه بالصفة المشبهة باسم الفاعل وهذا ساقط جدًّا؛ إذ نصَّ النحويون على أان معنى شبهها باسم الفاعل في كونها تؤنّث وتُثَنَّى، وتُجْمَعُ، وأفعلُ مِنْ لا تُؤنَّثُ ولا تُثَنَّى ولا تُجْمَعُ، فلم يُشبه اسم الفاعل، حتَّى إنَّ أبا حيَّان نَسَبَ هذا الخِبَاطَ إلى النَّاسخِ دون أبي محمد.
قوله: {بيني وبينكم} متعلِّقٌ بـ {شهيد}، وكان الأصل: قل اللَّهُ شهيدٌ بيننا، فكُرِّرت بين توكيدًا، وهو نظير قوله: [الوافر]
فَأيِّي ما وأيُّكَ كَانَ شَرًّا ** فَسيقَ إلى المَقَامَةِ لا يَرَاهَا

وقوله: [الرجز]
يَا ربَّ مُوسَى أظْلَمِيَ وأْظْلَمِيَ وأظْلَمُه ** أرسل عليه مَلِكًا لا يَرْحَمُهْ

وقوله: [الكامل]
فَلَئِنْ لَقيتُكَ خَالِيَتْنِ لَتَعْلَمَنْ ** أيِّي وَأيُّك فَارِسُ الأحْزَابِ

والجامع بينهما: أنَّهُ لمَّا أضاف إلى الياء وَحْدَها احتاج إلى تكرير ذلك المضاف.
ويجوزُ أبو البقاء أن يكون {بيني} متعلّقًا بمحذوف على أنَّهُ صفة لـ {شهيد}، فيكون في مَحَلّ رفع، والظاهر خلافُهُ.
قوله: {وأوْحِيَ} الجمهور على بِنَائِهِ للمفعول، وحُذِف الفاعل للعمل به، وهو الله تبارك وتعالى.
و{القرآن} رفع به.
وقرأ أبو نهيك، والجحدري، وعكرمة، وابن السَّمَيْفَع: {وأوْحَى} ببنائه للفاعل، {القرآن} نَصْبًا على المفعول به.
و{لأنْذِرَكُمْ} متعلِّقٌ بـ {أوحي}.
قيل: وثمَّ مَعْطُوف حُذِفَ لدلالة الكلام عليه، أي: لأنذركم به وأبَشِّركم به، كقوله تعالى: {تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 81]، وتقدم فيه نظائرُ، وقيل: لا حاجة إليه، لأن المقام مَقَامُ تخويف.
قوله تعالى: {ومَنْ بَلَغَ} فيه ثلاثةُ أقوال:
أحدهما: أنه في مَحَلِّ نَصْبِ عطفًا على المنصوب في {لأنْذِرَكُمْ}، وتكون مَنْ موصولةٌ، والعائِدُ عليها من صِلَتِهَا مَحْذُوفٌ.
أعني: ولأنذر الذي بلغه القرآن الكريم من العَرَبِ والعَجَمِ.
وقيل: من الثَّقَلَيْنِ.
وقيل: من بَلَغَهُ من القرآن الكريم إلى يوم القيامةِ.
وعن سعيد بن جبير: «من بلغه من القرآن، فكأنما رأى مُحَمَّدًا عليه الصَّلاة والسَّلامُ».
الثاني: أنَّ في {بَلَغَ} ضميرًا مرفوعًا يَعُودُ على {مَنْ}، ويكون المفعول محذوفًا، وهو منصوب المَحَلّ أيضًا نَسَقًا على مَفْعُول {لأنذركم} والتقدير: ولأنذر الذي بَلَغَ الحُلُمَ، فالعَائِدُ هنا مُسْتَتِرٌ في الفعل.
الثالث: أنّ {مَنْ} مرفوعةُ المحلِّ نَسَقًا على الضَّميرِ المرفوع في {لأنذركم}، وجاز ذلك؛ لأنَّ الفصل بالمفعول والجارِّ والمجرور أغْنَى عن تأكيده، والتقديرُ: لأنذركمن به، ولينذركم الذي بَلَغَهُ القرآن.
قوله: {أإنًّكُمْ} الجمهور على القراءة بهمزتين: أولاهما للاستفهام، وهو استفهامُ تَفْريعٍ وتوبيخ.
قال الفراء رحمه الله تعالى: ولم يَقُل آخر لأن الآلهة جمع، والجمع يقع عليه التأنيث، كقوله: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى} [الأعراف: 180] وقوله: {فَمَا بَالُ القرون الأولى} [طه: 51] ولم يقل الأوّل، ولا الأولينن وكل ذلك صوابٌ وقد تقدَّم الكلامُ في قراءاتٍ مثل هذا.
قال أبو حيَّان: وبِتَسْهيلِ الثانية، وبإدخال ألف بين الهمزة الأولى والهمزة المُسَهَّلَة، روى هذه الأخيرة الأصمعي عن أبي عمرو، ونافع انتهى.
وهذا الكلام يؤذن بأنها قراءةٌ مُسْتَغْرَبَةٌ، وليس كذلك، بل المَرْوِيُّ عن أبي عمرو رضي الله عنه المَدُّ بين الهَمْزَتَيْنِ، ولم يُخْتَلَفْ عن قالون في ذلك.
وقرئ بهمزة واحدة وهي محتملةٌ للاستفهام، وإنَّما حُذِفَتْ لفهم المعنى، ودلالة القراءة الشهيرة عليها، وتحتمل الخبر المَحْضَ.
ثم هذه الجملة الاستفهامية، يحتمل أن تكون مَنْصُوبَةَ المَحَلّ لكونها في حَيَّزِ القول، وهو الظَّاهر، كأنه أُمِرَ أن يقول: أيُّ شيء أكْبَرُ شَهَادًة وأن يقول أإنكم لتشهدون.
ويحتمل أن تكون داخلَةً في حيَّزه فلا مَحَلّ لها حينئذٍ، و{أخرى} صفةٌ لـ {آلهة}؛ لأن ما لا يَعْقِل يُعَامَلُ جَمْعُهُ مُعاملةَ الوحداةِ المؤنّثة، كقوله: {مَآرِبُ أخرى} [طه: 18]، و{وَللَّهِ الأسماء الحسنى} [الأعراف: 180] كما تقدَّم.
قوله: {إنَّمَا هُوَ إلَهٌ واحِدٌ} يجوز في {ما} هذه وجهان:
أظهرهما: أنها كافَّةٌ لـ {إنَّ} عن عملها، و{هو} مبتدأ، و{إله} خبر، و{واحد} صفته.
والثاني: أنها مَوْصُولَةٌ بمعنى الذي، وهو مبتدأ، و{إله} خبره، وهذه الجملةُ صَلَةٌ وعائد، والموصول في مَحَلِّ نصب اسمًا لـ {إن} و{واحد} خبرها.
والتقدير: إنَّ الذي هو إله واحد، ذكره أبو البقاء، وهو ضعيف، ويَدُلُّ على صِحَّةِ الوجه الأوَّلِ تعيُّنُه في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا الله إله وَاحِدٌ} [النساء: 171]، إذ لا يجوز فيه أن تكون مَوْصُولَةً لخلوِّ الجملة عن ضمير الموصول.
وقال أبو البقاء في هذا الوَجْهِ: وهو ألْيَقُ مما قبله.
قال شهابُ الدِّين: رضي الله عنه: ولا أدري ما وجه ذلك؟. اهـ. باختصار.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في الشيء:
قيل: هو ما صحّ أَن يُعلم ويُخبر عنه.
وعند كثير من المتكلِّمين: اسم مشترك المعنى؛ إِذ استعمل في الله وفى غيره، ويقع على الموجود والمعدوم.
وعند بعضهم عبارة عن الموجود.
وأَصله مصدر شاءَ، فإِذا وُصِف الله تعالى به فمعناه شاءٍ وإِذا وُصِف به غيره فمعناه المَشيء.
على الثَّانى قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فهذا على العموم بلا مَثْنَويّة؛ إِذْ كان الشيء هاهنا مصدرًا في معنى المفعول.
وقوله: {أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً} هو بمعنى الفاعل.
والمشيئة عند أَكثر المتكلَّمين كالإِرادة سواء، وعند بعضهم أَنَّ المشيئة في الأَصل إِيجاز الشيء وإِصابته، وإِن كان قد يستعمل في التعارف موضع الإِرادة.
فالمشيئة من الله تعالى الإِيجاد، ومن الناس الإِصابة.
والمشيئة من الله تقتضى وجود الشيء، ولذلك قيل: ما شاءَ الله كان وما لم يشأ لم يكن، والإِرادة لا تقتضى وجود المراد لا محالة؛ أَلا ترى أَنَّه قال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وقال: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ}، ومعلوم أَنَّه قد يحصل العسر والتظالم فيما بين النَّاس.
قالوا: ومن الفرق بينهما أَنَّ إِرادة الإِنسان قد تحصل من غير أَن تَتقدّم إِرادة الله؛ فإِنَّ الإِنسان قد يريد أَلاَّ يموت وبأبى الله ذلك، ومشيئته لا تكون إِلاَّ بعد مشيئته، كقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ}.
وروُى أَنه لمَّا نزل قوله تعالى: {لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} قال الكفّار: الاَمر إِلينا، إِن شئنا استقمنا، وإِن شئنا لم نستقم، فأَنزل الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ}.
وقال بعضهم: لولا أَنَّ الأُمور كلّها موقوفة على مشيئة مالله، وأَن أَفعالنا متعلِّقة بها، وموقوفة عليها، لما أَجمع النَّاس على تعليق الاستثناءِ به في جميع أَفعالنا؛ نحو: {سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} ونحو من الآيات.
والشيء تصغيره شُيَيْءُ وشِيَيْء بكسر الشين.
لا تقل: شَوَيْء.
والجمع: أَشياء غير مصروفة.
قال الخليل: إِنَّما تُرك صرفها لأَنَّ أَصلها فَعْلاء جمعت على غير واحدها؛ كما أَنَّ الشُّعَرَاءَ جمعت على غير واحدها؛ لأَنَّ الفاعل لا يجمع على فُعَلاء، ثمّ استثقلوا الهمزتين في آخرها، فنقلوا الأُولى إِلى أَوّل الكلمة، فقالوا: أَشياء، كما قالوا: عُقاب بَعَنقاة، وأَيْنُق، وقِسِىّ، فصار تقديرها: لَفْعاءَ.
يدل على صحّة ذلك أنها لا تُصرف، وأَنَّها تصغّر على أُشَيّاء، وأَنَّها تجمع على أَشَاوَى وأَصلها أَشاييىءُ، فقلبوا الهمزة ياء، فاجتمعت ثلاث ياءَات، فحذفت الوسطى، وقلبت الأَخيرة أَلفا، فأُبدلت من الأُولى كما قالوا: أَتيته أَتوْةً.
وحكى الأَصمعىّ أَنَّه سَمع رجلا من فصحاءِ العرب يقول لخَلَف الأَحمر: إِنَّ عندك لأَشاوَى، مثال الصّحارَى.
ويجمع أَيضًا على أَشايا وأَشْياوات.